لو قدر الله لي في يوم من الأيام أن أصبح أبا فانا أتمني من كل قلبي أن أنجب ذكرا وسأسهر طول التسعة أشهر – مدة حمل زوجتي – ادعوا الله أن لا تلد أنثي , لا يتعلق الأمر بحقد شخصي مني علي جنس النساء ولا احتقار لهن كل ما هنالك إني لا استطيع تحمل أن اجلب لهذا العالم مخلوقا بريئا ليتعذب طول حياته بجريمة لم يرتكبها أو قل خطيئة ووصمة عار سيحملها هذا المخلوق ما قدر الله له أن يعيش .
منذ خطواته الأولي في هذه الدنيا يدرك هذا المخلوق انه مختلف من قائمة الأوامر والنواهي الطويلة التي تقنص براءته وتحرمه من الاستمتاع بطفولته الذي ينعم بها المخلوق الآخر فقط لأنه ذكر وليس لأي أسباب آخري ومع مرور الأيام تتضح الأمور أكثر وتزيد القيود يوما بعد يوم قيوم علي اللبس .. علي طريقة المشي .. علي أسلوب الحديث وحتى علي طريقة الأكل إلي أخره ولو سأل هذه المخلوق يوما عن سر هذه المعاملة الخاصة سيجد الإجابة البديهية : لأنك أنثي ... هكذا فقط وكأن ( أنثي ) هذه الكلمة السحرية التي تفسر كل شيء وتتيح للآخرين حرمان هذا المخلوق من ابسط حقوقه الإنسانية التي ينعم بها الآخرين أو كأنها جريمة ارتكبها هو فصار ( أنثي ) لباقي حياته عقابا له وتكتمل فصول المأساة حين يجد هذه المخلوق نفسه دائما موضع شك واتهام أن لم يكن بالتصريح فبالتلميح ,هو دائما المخطئ .. لو تحرش بها احد الأنذال فذلك لان طريقة لبسها مستفزة وليس لان البعيد حيوان ولو غازلها مدرس في مدرستها الثانوية فهذا لأنها سمحت له بذلك وشجعته وليس لان هذا الوغد يعاني من حالة مراهقة متأخرة , تظل الأمور هكذا إلي أن يقتنع هذا المخلوق بأنه مذنب بالفطرة ويجاهد للتكفير عن خطيئته التي ارتكبها في حق البشرية بكونه ( أنثي ) فتصبح الأنوثة عارا يتنصل منه ويحاول نفيه عن نفسه بكل السبل رغبتا في كسب رضا هذا المجتمع المريض لكن هيهات فقد اقنع هذه المجتمع ألذكوري نفسه منذ امد بعيد بأن هذه الكائن المكلل بذنب الأنوثة هو سبب كل الكوارث التي يعاني منها فمشكلة البطالة سببها أن النساء تركن البيوت ونزلن لسوق العمل فحصلوا علي الفرص المتاحة للسادة الرجال وهن كذلك سبب انتشار التحرش الجنسي والانفلات الأخلاقي التي تعاني منها شوارعنا بملابسهن المثيرة ومن المؤسف حقا أن احد الأحزاب السياسية المحسوبة علي الإسلام حينما قررت أن تواجه ظاهرة التحرش الجنسي قامت بحملة عنوانها ( احتَرمي .. لتحُترمي ) وما العجب في ذلك فهن سبب انهيار منظومة القيم التي تحكمنا بل هن أيضا سبب ظاهرة الغلاء وارتفاع الأسعار .... نعم انت لم تخطئ قراءة العبارة فقد انتشر في السنوات الاخيرة في الشوارع وعلي جدران وسائل المواصلات العامة ملصق ملون بحجم كف يدك ليخبرك بتلك الحقيقة العبقرية .... رجاء لا تحدثني عن معدل التضخم الذي يتمدد بشراهة او عن الفساد والذمم الخربة وانهيار قيمة الجنية امام العملات الاجنبية ولا عن ازمة الغذاء العالمية فما قيمة كل هذا امام كارثة ان تكشف النساء شعورهن ؟
صارت الامور حقا لا تطاق بانتشار الافكار الظلامية القادمة من الصحاري في ربوع مصر اولائك الذين يعانون عقدة تجاه كل ما مؤنث ويفرغون كبتهم السياسي والاجتماعي علي المخلوق الضعيف انسانيا واجتماعيا يقيمون الدنيا ويقعدوها لان فتاة مريضة بحب الظهور خلعت ملابسها علي النت ولا يحركون قيد أنملة لموت عشرات البشر في معتقلات الطغاة وانتهاك كافة الاعراف الإنسانية والقيم الدينية هم يصارعون في معركة ابدية ضد المرأة ليقنعوا انفسهم انهم ادوا ما عليهم تجاه المجتمع ولم يسكتوا عن كلمة الحق فكما تعلم الساكت عن الحق شيطان اخرس اما عن الحاكم الظالم فدعك منه الان فلتذهب الدولة كلها الي الجحيم ولنستمر نحن في معركتنا المتعلقة بشعر المرأة وصوتها ونزولها للشوارع واي جهاد اعظم من ذلك .
هذا مجتمع مريض ارتضي لنفسه دور القاضي والجلاد فحكم علي هذا الكائن بأن يعيش مكللا بعار الخطيئة ونفذ فيه الحكم فصدقن إنهن سبب كل البلاء الذي نعاني منه .... بالله عليك كيف تريدني أن أشارك في هذه المهزلة وان اجلب لهذا المجتمع ( أنثي ) جديدة ليحملها نتيجة كبته وجهله وغطرسته ولتعش ما شاء الله لها أن تعيش تكفر عن خطيئة لا ذنب لها فيها , فرجاء لا تنزعج إذ رأيتني يوما أقف أمام كشك الولادة بأحد المستشفيات وأنا أدعو الله من كل قلبي هاتفا : يا رب ولد .
__________________
نشر هذا المقال علي :
مدونة نريد
جريدة البداية
جريدة الشروق
0 التعليقات:
إرسال تعليق