الجمعة، 22 أغسطس 2014

محاولة فاشلة لاستنساخ ديكتاتور !

طوال عقود مضت سعت أذرع خلق الوعي لدى الدولة متمثلة في التعليم ووسائل الإعلام ومثقفي السلطة لتهيئة عقلية المواطن المصري لاعتناق فكرة المخلص الذي يظهر ليغسل الشرور وينشر العدل علي الأرض .. الفكرة في جوهرها تدعوك للصبر على مساوئ الحياة وطغيان السلطة فيوما ما سوف يظهر المخلص ويغير تلك الأوضاع بدلا منك فلم السعي إذا .. كل ما عليك فعله هو الانتظار واتباع هذا المخلص حين يظهر .
من أكثر الأشياء التي استفذتني في الفترة الأخيرة هي استدعاء سيرة عبدالناصر لتدعيم نظام السيسي ومحاولة تصوير الأخير في صورة المنقذ القادم من نفس المؤسسة التي أتى منها عبدالناصر لينقذ البلاد من ويلات نظام فاسد آخر كما أنقذها ناصر من النظام الملكي والحقيقة ان عملية إعادة انتاج عبدالناصر آخر فشلت قبل ان تبدأ فلا تدع الملصقات التي تجمع بين صورة السيسي وعبدالناصر تخدعك فالاختلافات الجوهرية بين النظامين أكبر بكثير من أن يتم التغطية عليها بملصق مصنوع بواسطة الفوتوشوب! دعنا نراجع أهم هذه الاختلافات معا :
- الاختلاف الأول في نشأة كلا من النظامين فرغم انتماء السيسي وعبدالناصر للمؤسسة العسكرية إلا أن المؤسسة العسكرية التي أخرجت ناصر ورفاقه وقادوها هم للسيطرة علي مفاصل الدولة تختلف كل الاختلاف عن المؤسسة العسكرية بعد 60 عام من الانغماس في المستنقع السياسي والتمدد في دهاليز الحكم .. حتى العقيدة القتالية التي من المفترض أن تتميز بثبات نسبي تغيرت الآن من مؤسسة عسكرية تعتقد بوجوبية نصرة حركات المقاومة ومواجهة طموحات إسرائيل التوسعية لمؤسسة عسكرية تري ان بضعة مئات من المقاتلين الفلسطينيين يهددون حدودنا الشرقية بأكثر مما تفعل دولة الكيان الصهيوني.
- الاختلاف الثاني هو انحيازات هذا النظام الرأسمالية والتي تختلف كليا عن إدارة عبدالناصر الاقتصادية… لا يستطيع اعتي كارهي عبدالناصر أن ينكروا التطورات التي لحقت بالطبقة الفقيرة والمتوسطة في عهده وتحسن مستوي معيشة هذه الطبقات اما هذا النظام فينحاز بكل قوة تجاه دولة المحاسيب والأصدقاء من رجال الاعمال وحتي حين طالبهم السيسي بدعم الاقتصاد المصري اختار ان يطلب منهم التبرع والإحسان لا أن يحاسبهم علي جرائمهم في حق هذا البلد ويستعيد منهم بالقانون ما نهبوه طوال سنوات حكم مبارك ونمو هذه الطبقة الطفيلية وسيطرتها على مفاصل الدولة … حتى الآن يدفع الفقراء فاتورة القرارات الاقتصادية التي اتخذها نظام السيسي خلال أيامه القليلة في الحكم ويتعالى انينهم جراء تلك القرارات بينما يتغنى النظام بمدى عطف وكرم رجال الأعمال.
- الاختلاف الثالث هو السياسية الخارجية لمصر تجاه الدول العربية فقد كان عبدالناصر يحلم بالوحدة ومارست مصر في عهده دور الشقيقة الكبرى لباقي الدول العربية وبعيدا عن قناعتي الشخصية بوهم هذه الوحدة أو كلفة هذا الامر السياسية فلا يمكن ان اقارن بين مصر حين كانت تقود هذه المنطقة فعليا ومصر التي يقبل رئيسها رأس ملك دولة رجعية يتنظر منها السيسي العون والمدد في صورة زكائب من الدولارات او دعم مواقفه السياسية، الفرق شاسع بين مصر حين كانت تدعم اشقائها من المحيط الي الخليج ومصر التي لا تري لها اشقاء سوي بعض دول خليجية تساندها سياسيا وماديا .. كانت مصر عبدالناصر تخاصم دولا عظمي اما مصر السيسي فتخاصم دويلة نفطية وحركة مقاومة فلسطينية.
- الاختلاف الرابع هو المشروع الذي يطرحه كلا منهما فدولة عبدالناصر كانت واضحة في مشروعها التنموي وسعيها لبناء الدولة القوية وان تسببت الرعونة السياسية والقمع في قتل هذا المشروع , ان مشروع السيسي غير واضح او قل غير موجود من الأساس فالسيد المرشح عبدالفتاح السيسي لم يتكرم علينا بطرح برنامج انتخابي كأي مرشح في انتخابات ديموقراطية حقيقية بل اكتفي بوعود هلاميه والحديث عن مشروعات عملاقة لا يجمع بينها رابط ولا تعد المواطن بتحسن في مستوي معيشته علي المدي الزمني القريب فحين يفكر النظام في حفر قناة سويس ثانية قبل ان يفكر حل مشكلة الطاقة والكهرباء والأمن لا يمكن لمنصف ان يدعي امتلاك هذا النظام لرؤية.
- الاختلاف الخامس هو الواجهة التي اختارها كلا من النظامين لنفسه فحين كان عبدالناصر يعتمد علي هيكل المخضرم في إدارة الواجهة الإعلامية للنظام اعتمدت دولة السيسي علي عبدالرحيم علي ولميس الحديدي في خوض معاركها الإعلامية , اما الفرق الأكثر وضوحا فيتجلى في الأغاني .. نعم فلم يعرف التاريخ نظام فاشي استغني عن الأغاني التي يجب ان يتم تعبئة الجماهير بها واثارة حماستها فاعتمد ناصر في هذه المهمة علي عبدالحليم حافظ ومن خلفه كتيبة من الملحنين والشعراء المبدعين كجاهين والابنودي وغيرهم اما دولة السيسي فاختارت الفنان مصطفي كامل ليغني لها نشيدها الأعظم ( تسلم الايادي ) قبل ان يتحسن ذوقها قليلا لتغني بشرة خير بلسان الفنان حسين الجسمي , عرف التاريخ الوان متعددة من الأناشيد والاغاني الفاشية من أناشيد هتلر وموسوليني الي أغاني عبدالناصر وحتي أناشيد الاخوان المسلمين الا انه علي حد علمي لا يوجد نظام فاشي يحترم نفسه يكون نشيده الأساسي بهذا الاسفاف والسوقية !
مع الأسف لم تتشابه تجربة السيسي مع عبدالناصر الا في القمع، الديكتاتور العادل الذي انحاز للفقراء وامتلك مشروعا وطنيا نختلف حوله الا ان الجميع يتفق علي احترامه استنسخوه بديكتاتور جديد قلده في مساوئه فقط، في عهد عبدالناصر جرت اول محاكمة عسكرية لمدنيين ( محاكمة خميس والبقري عاملي كفر الدوار ) وفي عهد السيسي اكتسبت المحاكمات العسكرية شرعية دستورية لأول مرة في مصر وجرت محاكمة مدني عسكريا لأنه تشاجر مع عمال احدي محطات وقود وطنية، امتلأت سجون عبدالناصر بالمناوئين لحكمه وها هو السيسي يصنع من معتقلاته مقبرة لمن يرفع صوته في وجه دولته الوليدة وكما جرم عبدالناصر التظاهر والاحتجاج فعلها السيسي بقانون تظاهر يخالف حتي الدستور الذي كتبته لجنته المصونة وكما صادر عبدالناصر المجال العام يفعلها النظام الحالي الان بقانون لتنظيم عمل منظمات المجتمع المدني هو الاسوأ منذ قانون ناصر الصادر عام 1964. .
- نشرت هذه التدوينة ببوابة يناير بتاريخ 15 اغسطس 2014

هناك تعليق واحد: