الأحد، 10 أبريل 2011

انهم ياكلون اللحم يوميا !!!!!

اضطرتني الظروف لاستقلال احد قطارات الصعيد متجها من سوهاج إلي القاهرة بدون حجز مسبق واكتفيت بالوقوف في الفراغ ما بين عربتين طوال الطريق شاركني الحالة نفسها مجموعة من الشبان كلهم من أبناء الصعيد ولكن من مناطق مختلفة بسوهاج وقنا ولتزجية الوقت كان لابد أن يجمعنا حديث لم أشارك فيه إلا بعلامات الذهول المرتسمة علي وجهي ما بين الحين والآخر .
كانت الخبرة المشتركة بين هؤلاء الشباب جميعا أنهم قضوا فترة من عمرهم يعملون ببلدان عربية خارج مصر – بعضهم لازال يعمل بالفعل وجاء لمصر لقضاء أجازة – كانوا موزعين ما بين ليبيا والسعودية والكويت والإمارات انطلق كل منهما يحكي ذكرياته في الغربة وجمعهم موضوع واحد تركز حوله جل كلامهم ألا وهو الطعام نعم كانوا لعدة ساعات طوال يتحدثون عن الخبز الليبي ومميزاته وسعره البخس والألبان الخليجية واللحوم المتوفرة في بلدان بني نفط وكيف أنهم كانوا هناك يأكلون اللحم يوميا !!! ولا يعرفون الفول والطعمية إلا لماما كنون من اجترار الذكريات ليس إلا واخذوا يعددون صنوف الطعام يتحدثون وعيونهم تلمع لمعة غريبة لم اعرف كنهها للأمانة أهي لمعة الحرمان الطويل أو الاشتهاء أو لمعة أورثهم إياها زمن الجوع , يعترفون أن أهالي تلك البلدان يتعاملون مع العمال المصريين بصفتهم من بلاد المجاعة ولا يجرؤا احدهم علي الاعتراض خجلا أو ربما خوفا من الطرد من تلك الجنان التي يأكل الناس فيها اللحم يوميا , وحينما أتي ذكر ليبيا صبوا جام غضبهم علي الشعب الليبي ففي رأيهم لماذا يثور الليبيون ولديهم من الخبز واللحم ما يكفيهم ؟؟ أي جحود هذا وأي نكران للجميل؟؟ كان من نوعا من العبث أن أتحدث معهم عن أن هناك أسباب آخري قد تدفع الناس للثورة غير الحرمان وان هناك ما يسمي بالديمقراطية والحرية التي هي للإنسان اغلي من حياته ووجدتني أتساءل ما الذي فعله بنا النظام السابق أو فعلناه بأنفسنا لينحصر كل فكرنا في ملء بطوننا كالأنعام ويصبح التفكير في ما دون ذلك نوع من هرطقة المثقفين كيف انحدرنا بالإنسان ذلك الكائن السامي المفكر إلي تلك المرتبة التي لا يشغل باله فيها إلا بسد شهواته وحاجاته الأساسية وأين الحضارة  المختزلة من عصر إنسان الكهف إلي اليوم في عقول بني البشر ؟؟ كيف تبخر كل هذا وأي أساليب شيطانية اتبعوها ليحطموا لدي هؤلاء الكرامة الإنسانية ؟؟
إن ما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات هو حالة التسامي المستمرة لديه والسعي  لتحقيق شروط أفضل للحياة بكل جوانبها فحين تنحصر مطالب أناس في أوج عنفوان الشباب والأمل والطموح في بعض الخبز واكلة لحم كل يوم فنحن في مشكلة أو قل أن شئت كارثة لو وضعنا في حسباننا أن نسبة الفقراء في مصر تصل لـ 40% , طبعا لم يفتني أن الحظ التشابه الشديد بينهم فكلهم من أبناء الصعيد ذلك الكم المهمل الذي طواه النسيان لسنين طوال وبدا وكان قطار التنمية لا يعرف له محطة وكلهم تلقوا تعليما متوسطا أو إن شئت قل لا تعليما متوسطا لم يضف لهم شيء لا مهارة يدوية ولا ملكة عقلية .

حقا شعرت بالآسي لما وصلنا أو أوصلونا إليه وتكشفت إمامي حقيقة لم أكن أراها جلية مثلما رايتها الآن هي أن أي حديث عن الإصلاح السياسي أو النظام الديموقراطي هو محض أوهام مثقفين إن لم يصاحبه سياسية ونظام اقتصادي جديد يعيد لهؤلاء بعض آدميتهم المهدرة بفعل الفقر والحاجة  ويعوضهم عن حقوقهم المسلوبة التي نسوها بفعل سنوات طالت في ظلام العهد السابق وربما يكون هذا هو سبب تأخر الثورة المصرية كل هذه السنوات إذ أنها كانت حبيسة جلسات النخبة ومؤتمرات نقابة الصحفيين ولم تنجح للخروج للجموع الغفيرة من المصريين إلا عندما حدث الربط في عقول البسطاء ما بين الفساد السياسي وحالة الفقر المدقع التي وصلوا إليها هي ثورة حركها شباب الطبقة الوسطي الذين حظوا بقدر ما من التعليم وكان وقودها وعامل الحشد فيها الفقراء ويعرف كل من شارك في معارك ميدان التحرير أيام ما قبل 29 يناير دور شباب العشوائيات في التصدي لهجوم قوات الشرطة الغاشم علي المتظاهرين .

عندها ننجح في تحقيق العدالة الاجتماعية ورفع الظلم عن ملايين الفقراء وتحقيق توزيع عادل للثروة عندها فقط يكون من حقنا أن نحلم بمصر جديدة مصر أفضل يشعر كل فرد فيها بآدميته ويعرف أن له حقوق وعليه واجبات وانه في هذا الدنيا قيمة مضافة وليس كم مهمل .

0 التعليقات:

إرسال تعليق